الأحد، 21 يونيو 2009

‏50‏ عاما لدار الوثائق و‏175‏ للدفترخانة



الوثائق القومية هي ذاكرة الأمم وتاريخها السياسي والاجتماعي والاقتصادي والحياتي‏,‏ من هنا جاء احتفال دار الوثائق القومية المصرية بمرور خمسين عاما علي إنشائها أو علي الأحري بنقل أوراقها إلي المبني الجديد إلي جوار الهيئة المصرية العامة للكتاب علي كورنيش النيل‏,‏ تلك الأوراق التي تحوي كنوزا لا حصر لها من المعلومات والوثائق التي أسس لها محمد علي باشا صاحب النهضة المصرية دارا بجوار القلعة تسمي الدفترخانة المصرية في عام‏1828‏ أي منذ‏175‏ عاما لتبرز حقائق عجيبة حول هذا الحاكم غير المصري الذي بني نهضة مصر بعد أن اختاره الشعب المصري حاكما له حين دعاهم لذلك المجاهد عمر مكرم‏,‏ صاحب ثورتي القاهرة الأولي والثانية ضد الاحتلال الفرنسي‏.‏ فحين تذكر الحضارة بروافدها يذكر محمد علي باشا‏,‏ فهو الذي بني السدود والقناطر وأنشأ المصانع وكون الجيش والأسطول‏,‏ وأوفد البعثات التعليمية من أبناء مصر إلي أوروبا ليكون بذلك إمبراطورية مصرية عظيمة أضاعها أحفاده‏.‏ناقش المؤتمر العلمي للوثائق العربية مشكلات الواقع وآفاق المستقبل‏,‏ منوها عن حالة التردي وسوء المعاملة التي لحقت بالوثائق التي هي تاريخ مصر والعرب‏,‏ فضاع منها الكثير والكثير‏,‏ واضعا توصياته التي تناشد المسئولين بإدراك ما تبقي من هذه الكنوز وإتاحتها أمام الباحثين‏.‏أسهم في فعاليات المؤتمر باحثون من البلاد العربية‏,‏ فقد اتسعت فتوحات محمد علي باشا وشملت العديد من البلدان العربية‏,‏ لتكون نواة الإمبراطورية التي كان يحلم بها‏,‏ ومن هنا حفلت الوثائق بذكر الكثير من البلدان‏,‏ ولنا في بحث د‏.‏ حمدنا الله مصطفي حسن‏,‏ رئيس قسم التاريخ آداب عين شمس‏,‏ تحت عنوان القرن الإفريقي في أوراق دار الوثائق خلال القرن التاسع عشر‏,‏ خير شاهد ودليل‏,‏ حيث تناول نماذج حضارية قدمتها مصر في القرن التاسع عشر لمنطقة القرن الإفريقي‏,‏ منها سجلات خاصة بمديريات السودان وسجلات حكمدارية السودان‏,‏ بالإضافة إلي جريدة أركان حرب الجيش المصري‏,‏ بالإضافة إلي جهود أخري في مجالات العمران‏,‏ حيث إدخال المياه النقية لكل المنطقة‏,‏ وهو ما لم تكن تحلم به أي قرية في إفريقيا في القرن العشرين‏.‏ حيث شيدت الإدارة المصرية هناك مباني للأهالي‏,‏ بل قامت ببناء الكنائس للمسيحيين الذين كانوا يفدون من الحبشة أسوة بالمسلمين الذين شيدت لهم المساجد‏.‏ونقرأ في موضوع آخر من الوثائق عن جهود ضخمة في إرساء ما يمكن تسميته بالسلام الاجتماعي‏,‏ حيث لاحظت الإدارة المصرية في السودان بعض الدسائس التي كان يبثها البريطانيون في بربره من خلال إثارة الفرقة بين القبائل‏,‏ فأرسلت الحكومة المصرية إلي هناك لجان صلح لإرساء قواعد السلام الاجتماعي‏.‏الجوانب التي تناولتها الأبحاث العلمية عديدة منها الخليج العربي في وثائق الخارجية المصرية‏,‏ بل كانت الوثائق مصدرا لدراسة تاريخ البحر الأحمر وجدل السياسة والاقتصاد في أزمة الشام وموقف إنجلترا منها‏,‏ في عهد محمد علي‏,‏ وقد حفلت الوثائق بمناقشة الصراع العربي ـ الإسرائيلي‏,‏ وذلك في دراسة د‏.‏ زكريا أحمد سعد في جامعة الأزهر‏,‏ تلك الوثائق التي تؤكد حقوقنا وتفضح سياسة إسرائيل العدوانية‏,‏ بل تكشف الكثير من الحقائق التاريخية الغائبة حول الأسباب التي أدت إلي هزيمة العرب في حرب فلسطين عام‏.1948
وقدم د‏.‏ المبروك علي الساعدي بمركز جهاد الليبي للدراسات التاريخية بحثا هو قراءة في كتاب وثائق تاريخ ليبيا الحديث من خلال الوثائق العثمانية‏1811-1911‏ المتعلقة بالعهد العثماني في ولاية طرابلس الغرب‏.‏الدكتور كارم عبدالفتاح نوفل‏,‏ رئيس قسم اللغة التركية‏,‏ جامعة الأزهر‏,‏ قدم بحثا بعنوان وثائق طابا ونكشف من خلال البحث أن أزمة طابا الأخيرة مع إسرائيل واستردادها في إبريل‏1986‏ بعد مجهود شاق من المناورات مع السياسة الإسرائيلية التي تعمد إلي طمس الحقائق‏,‏ ليست هي الأزمة الأولي‏,‏ بل الثالثة لتلك المنطقة‏,‏ حيث سبقتها أزمة في‏1892,‏ وقد عرفت بأزمة فرمان تولي الخديوي عباس حلمي الثاني‏,‏ حيث تضمن الفرمان أن تكون حدود ولاية مصر هي نفسها الحدود التي تضمنها الفرمان الصادر في‏1841,‏ وهذا معناه أن تنزع من مصر مناطق العقبة والوجة والمويلح وضبا علي الجانب الشرقي من خليج العقبة‏,‏ وانتهي النزاع إلي سيادة مصر علي شبه جزيرة سيناء كاملة‏.‏أما الأزمة الثانية حول طابا فقد كانت في عام‏1906‏ حين قامت قوة عثمانية باحتلالها‏,‏ بالإضافة إلي أجزاء أخري من سيناء ولما لم يستجب الباب العالي العثماني للتفاهم حركت بريطانيا كانت مصر تحت الاحتلال البريطاني قواتها الحربية لتصفية الوجود العثماني في طابا وما حولها‏,‏ فانسحبت القوات العثمانية‏,‏ وربما كانت هذه الأزمات دلائل وقرائن علي أحقية مصر بهذا الجزء من سيناء في مفاوضاتها مع إسرائيل‏.‏وينقلنا د‏.‏ محمد رفعت الإمام‏,‏ آداب دمنهور جامعة الإسكندرية‏,‏ إلي منحي آخر آخر لأهمية الوثائق‏,‏ حيث قدم بحثا بعنوان الطوائف الملية في مصر‏,‏ حيث احتضنت مصر في تاريخها الحديث والمعاصر جاليات شرقية وغربية وطوائف ملية عديدة‏,‏ وقد عاشوا في تناسق فريد داخل المنظومة المصرية العامة‏,‏ ومنهم طوائف الأقباط والأرمن والروم والسريان والكلدان واللاتين واليهود علي اختلاف مذاهبهم‏.‏ويقدم بحث الدكتور عبداللطيف الصباغ‏,‏ أستاذ التاريخ الحديث والمعاصر جانبا طريفا من الوثائق‏,‏ وهو الالتماسات التي كانت تقدم للحاكم‏,‏ تحت عنوان الالتماس مصدر من مصادر تاريخ مصر المعاصر‏,‏ وقد جمعت الوثائق‏161‏ تحت اسم محافظ عابدين التماسات كل محفظة بها أكثر من‏500‏ التماس ويعود تاريخ الالتماس إلي نهاية القرن‏19‏ الميلادي‏,‏ وهو بذلك يتوافق مع ظهور طبقة الأفندية في المجتمع المصري‏,‏ تظهر الالتماسات مشكلات أفراد المجتمع من انتشار الفقر والبطالة والأمراض الاجتماعية وغيرها من القضايا الحياتية التي كانت ترد إلي ديوان الخديوي فالديوان العالي السلطاني ثم الديوان الملكي‏.‏وعلي هامش الاحتفاء بمرور‏50‏ عاما علي إنشاء دار الوثائق و‏175‏ عاما علي إنشاء الدفترخانة‏,‏ عرضت الدار صورا لبعض الوثائق متنوعة‏,‏ منها الذي حدث في سبتمبر‏46,‏ حيث فوضت وزارة الخارجية الفنان يوسف وهبي لحضور مهرجان كان بفرنسا‏.‏ورسالة من مفوضية الجمهورية السورية في عام‏1951‏ إلي وزارة الخارجية الملكية المصرية يؤكد أن اليهودي الخواجة داوود عدس‏,‏ يقوم بنشاط في مساعدة الصهيونية‏,‏ منوها عن ضبط البوليس المصري قبل ذلك بمخزن للأسلحة في بيت عدس بقصد نقلها إلي إسرائيل‏.‏ولأن اللغة أيضا لها استعمالات طريفة‏,‏ فقد ختمت الرسالة بعبارة نقول عنها الآن سري جدا‏,‏ تقول مكتوم جدا‏.‏ ولأن مصر أرض الكفاح والوحدة الوطنية والنسيج الواحد نقرأ معا التلغراف الآتي‏:‏ تلغرافات الديوان العالي السلطاني‏.‏عظمة مولانا السلطان‏:‏ أضربنا عن تلقي الدروس احتجاجا علي قدوم لجنة ملنر ونقاطعها‏.‏ طلبة مدرسة الأقباط ببورسعيد‏.‏تصدر من مكتب بورسعيد بتاريخ‏17‏ ديسمبر‏.1919‏ الدكتور محمد صابر عرب‏,‏ رئيس دار الوثائق القومية يؤكد أن اهتماما كبيرا في الأيام القادمة توليه الدولة لأرشيف مصر في كل مكان‏,‏ وكل الوزارات الهدف منه جمع ذلك التراث الضخم للحفاظ علي هوية البلاد ومواكبة عصر المعلومات‏,‏ إلاأن الدكتور العرب‏,‏ يتخوف مما لدي بعض الوزارات من وثائق مهمة لا تلقي أدني اهتمام‏,‏ لكنه أشاد بدور وزارتي الدفاع والخارجية في حفظ ما لديهما من وثائق‏,‏ ويطالب بقية الوزارات تسليم ما لديها لدار الوثائق حتي تقوم بفهرسته وإعادة ترميم ما تآكل‏,‏ وأتلف منه حتي يمكننا الحفاظ علي تاريخ مصر وإتاحة الفرصة لدراسته أمام الباحثين من مصر وبلاد العالم‏,‏ بدلا من تعرض الوثائق للإهمال والفئران في مخازن مليئة بالرطوبة والآفات‏.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق