الأحد، 21 يونيو 2009

التاريخ مش زي الكتاب ما بيقول


إذا كنت من طلاب الثانوية العامة فمن الأفضل أن تؤجل قراءتك لهذا الحوار لأن المعلومات الموجودة به - من وجهة نظر قائلها- هي الأقرب للصحة، وأن ما درسناه في كتب تاريخ الوزارة بعيد تماما عن الحقيقة.. فالدكتور عماد هلال، أستاذ التاريخ بجامعة قناة السويس والباحث بدار الكتب والوثائق القومية، يتحدث لنا طارحا وجهة نظر مغايرة لكل ما عرفناه عن تاريخنا، فمحمد علي لم يشرك الفلاحين في الجيش المصري، والفرنسيين بالغوا في الإشادة بدور الحملة الفرنسية علي مصر، كما بالغوا في دورهم في نهضة مصر بعد الغزو الفرنسي.
السودان.. فتح ولا غزو؟

يحدثنا د.عماد عن جيش محمد علي، موضحا أن القول بأن جيش الباشا كان كله من الفلاحين مقولة خاطئة، فجيش محمد علي تم إنشاؤه في البداية مكونا من ستة "آلايات" -لواءات- وكانوا مشكلين بالكامل من العبيد السودانيين وحتى القادة كانوا من المماليك- غير مصريين-، موضحا أن من يستند في قوله بأن الجيش كله كان من الفلاحين استند إلى أمر أصدره الباشا بعد بداية تكوين الجيش، ولكن المتتبع للوثائق يجد أن هذا الأمر لم يتم تنفيذه لأن محمد علي عاد وأصدر أمرا بوقف تنفيذ تجنيد الفلاحين لاقتراب موعد الحصاد وتهديد الفلاحين بحرق المحصول والثورة، وبعد الحصاد لم يتم تنفيذ الأمر أيضا نظرا لثورة أحمد المهدي في الصعيد. ويعود الباحث للحديث عن فتح مصر للسودان بأنه يضع كلمة "فتح" هنا بين قوسين لتحفظه عليها، مشيرا إلى الجدل الذي دار حول ما إذا كان ما قام به محمد علي فتحا أم غزوا، فالفارق بين الغازي والفاتح؛ أن الفاتح يحدث تغييرات إيجابية في المجتمع وهو ما لم يفعله محمد علي في السودان، ويؤكد د. عماد أن السبب الوحيد الذي ذكره محمد علي في رسائله لابنه إسماعيل باشا أثناء حملته لـ"فتح السودان" كان جلب العبيد اللازمين للجيش، حيث كتب محمد علي لإسماعيل قائلا: "أنا لم أرسلك، أعز أولادي، إلي هذه البلاد ولم أتحمل كل هذه التكاليف إلا من أجل إحضار هؤلاء السود اللازمين للمصلحة". وكان محمد علي يستخدم لفظ مصلحة للدلالة على الجيش، حيث كان الجيش وقتها يسمى بمصلحة أسوان وفرشوط حيث كان يتم تدريب الجنود، بينما كان الباشا يبدل في الخطابات بين لفظي السود والعبيد". أما كشف منابع النيل والبحث عن الذهب وكل ما قيل أنه أسباب الفتح كان في الحقيقة نتائج له.
يا خفي الألطاف

أما عن الفرنسيين، فيقول د. عماد أن دور الفرنسيين في مصر أثناء الحملة الفرنسية وبعدها تمت المبالغة فيه بصورة كبيرة وبه الكثير من اللغط، فعلي سبيل المثال حاول المؤرخون الفرنسيون إيهامنا بأنهم من أدخلوا المدافع الحربية إلى مصر مستندين بما ردده الأهالي عندما قام نابليون بضرب القاهرة بالمدافع من القلعة مقولتهم "يا خفي الألطاف نجنا مما نخاف"، فالثابت تاريخيا أن فرق المدفعية العثمانية كانت هي الأقوى على مستوى العالم في القرون الـ14و15و16، وكانت السبب في فوز العثمانيين في كل معارك شرق أوربا التي خاضوها وفتحوا بها أغلب المدن وأشهرها القسطنطينية، كما أن الثابت تاريخيا أن المماليك واجهوا الفرنسيين في المعارك بالمدافع، ولكن المصريون قالوا ذك لأنهم اعتادوا أن القلعة كانت المكان الذي دائما ما تأتي منه المقاومة والدفاع عن القاهرة وليس المكان الذي يتم ضرب القاهرة من خلاله. كما أن الفرنسيين ذكروا أن مصر لم يكن بها نظام قضائي قبل وصول الحملة الفرنسية، وأن الموجود فقط كان ضرب وإهانة وبربرية وهمجية وخزوقة وتوسيط – ربط كل قدم من أقدام المذنب في حصان وإطلاق كل حصان في اتجاه مخالف للآخر-، ولكن الموجود في الوثائق أن القضاء الشرعي كان موجوداً وراقياً، وعلى العكس فإن الفرنسيين هم من استخدموا التعذيب وأساليب همجية في العقاب لم تشهده مصر. ويدلل على أنه في حادث قتل كليبر أثبتت وثائق التحقيق مع سليمان الحلبي أن سليمان أنكر قتله لكليبر فتم ضربه لحمله على الاعتراف، ولم يرفع عنه الضرب إلا بعد أن أقر بأنه القاتل، وكانت العقوبة البشعة بحرق يده اليمنى وهو حي ثم خوزقته ثم تعليق جثته في الهواء حتى يأكل منها الطير، على الرغم من إقرار الفرنسيون أنفسهم بأنه اعترف تحت تعذيب!
كلوت بك وسليمان باشا

يضيف د. عماد أن الفرنسيين أيضا بالغوا في أدوار كلوت بك وسليمان باشا الفرنساوي في بناء الدولة، فقالوا أن كلوت بك هو من أوجد الإدارة الصحية وكافح الأمراض والأوبئة، وأن سليمان باشا هو من أنشأ الجيش المصري، ولكن الحقيقة أن كلوت بك لم يكن يزيد شيئا عن مئات الأطباء الذين خدموا محمد علي باشا من مختلف الجنسيات، حتى أن الوثائق تثبت لنا أن الكتب التي وضعها كلوت بك في الطب كان بها بعض الأخطاء، في حين أن كتب الطب المصرية التي كانت موجودة من قبله كانت هي التي تحتوي علي القدر الأكبر من الصحة، كما تحتوي المراسلات بين محمد علي وعدد من معاونيه علي رأسهم "الحكيم باشي" – كبير الأطباء- على التقليل من شأن كلوت بك وإخبارهم بأهمية منعه في الحديث فيما لا يعنيه. أما سليمان باشا الفرنساوي الذي تم وصفه بأنه مؤسس الجيش المصري، فقد تمت المبالغة في دوره أيضا لأنه في بداية إنشاء الجيش كان يطلق عليه مصلحة أسوان وفرشوط لوجود معسكرين لتدريب المماليك على الأساليب الحديثة للحرب، أحدهما في أسوان ويشرف عليه سليمان باشا وكان وقتها يحمل لقب بك، والآخر في فرشوط ويشرف عليه إبراهيم أغا، وكان كل منها مكلف بتدريب 500 مملوك وأتم كل منهما مهمته بنجاح ولكن تم إبراز دور سليمان باشا فقط.
من النصاب؟ويدلل د. عماد على قوله بمبالغة الفرنسيين قائلا أنه في أحد الندوات التي عقدتها دار الكتب للاحتفاء بمحمد علي والتي شارك فيها فرنسيون وإيطاليون، أخذ الكلمة السفير الإيطالي وتحدث عن دور الإيطاليين في بناء الدولة المصرية الحديثة، فقمت بمداخلة على كلامه وقلت له: "ولكن كلوت بك قال في كتابه أن الإيطاليين كانوا مجموعة من النصابين وأن أصحاب الحرف هناك عند توقف عملهم كانوا يأتون إلي مصر ويدعون أنهم حكماء ويشتغلون بالطب"، فبدأ السفير الإيطالي في نفي ذلك مؤكدا أن جميع الحكماء الذين عملوا في مصر كانوا من دارسي الطب والمتخصصين، وأن الفرنسيين هم النصابون!. ويُنهي د.عماد حديثه بقوله: "كل فريق يحاول أن يثبت أنه هو من قام ببناء مصر الحديثة وأن الآخر نصاب، أما من وجهة نظري فإن كلاهما يمارس ما يتهم به غيره بشكل أو بآخر".
أحمد الهواري - ولاد البلد – عشرينات - 22/6/2008

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق