الأحد، 21 يونيو 2009

دار الوثائق في مصر تستعد لتصبح أكبر أرشيف إلكتروني عربي وثائقي في العالم


تدخل دار الوثائق المصرية مرحلة جديدة من نوعها للتعامل مع ملايين الوثائق التي تحويها من خلال تقنية المعلومات المتطورة، وخلال الأيام القليلة المقبلة وفي احتفال عالمي سوف تنتهي المرحلة الأولى من مشروع أتمتة نظم العمل بالدار، لتصبح اكبر وأقدم أرشيف إلكتروني عربي تاريخي في العالم.
وفي حوار مع الدكتور محمد صابر عرب، رئيس الدار أكد أن المشروع أضخم بكثير مما يعتقد البعض، حيث يحتاج إلى دعم عربي دولي وعالمي اكبر، أوضح د. عرب كيف اختفت الكثير من وثائق مصر.
* لماذا كان مشروع أتمتة الدار مشروعا محدودا وليس شاملا؟

كنا في حاجة إلى صيغة علمية فنية للتحول الرقمي لكل مقتنيات الدار من وثائق، حيث يستحيل أتمتة مئات الآلاف من الوثائق مرة واحدة، لذلك بدأنا بمشروع استرشادي قام على 54 ألف وثيقة روعي فيها تنوع موضوعاتها وإشكالها الوثائقية، وتباين فتراتها الزمنية، وخرجنا منها بنتائج رائعة جنبتنا الكثير من الأخطاء التي ممكن أن نقع فيها، كما تمكنا من الاستفادة من التجارب المماثلة التي سبقتنا في هذا المجال، مثل الأرشيف الأميركي والبريطاني والتركي، وأظن أن العمل الذي تم خلال هذا المشروع انجاز جديد على كل المستويات لطبيعة التراث الوثائقي محل الدراسة، ولطبيعة البيانات الدقيقة والمتباينة، التي أخذت وقتا طويلا من فريق العمل، وبشكل عام كانت مخرجات الدراسة واضحة ومحددة نستطيع بها أن نقول انه أصبحت لدينا رؤية وبرنامج وخبرة في أتمتة الوثائق سواء من حيث الشركة المنفذة، وهي شركة لادس المصرية المتميزة، ومن حيث العمالة الفنية داخل دار الوثائق القومية، وكل ما أتمناه أن نستكمل هذا المشروع الوطني الضخم الذي يحتاج إلى تضافر كل الجهود الوطنية المخلصة، ابتداء من الوزارات والمصالح والمؤسسات الوطنية وانتهاء بجدار الوثائق نفسها.
* وكم مطلوب لاستكمال مشروع الدار الرقمية؟
ـ نحتاج إلى ما بين 40 إلى 50 مليون جنيه (ما بين حوالي 6 ملايين ونصف و8 ملايين دولار أميركي) لإتمام تحويل الدار إلى دار رقمية تحقق دخلا قوميا ينافس دخل السياحة، فلك أن تعرف أن دار الوثائق البريطانية تحقق ثاني أعلى دخل لبريطانيا، وبالتالي فمهما أنفقت الدولة على هذا المشروع فهو مشروع اقتصادي من الطراز الأول يوفر فرص عمل لمئات الشباب والباحثين ويشكل دخلا قوميا ثابتا ومستمرا.
* ما هي أهم ملامح التطوير بالدار بعد إطلاق المشروع؟
ـ مع افتتاح المشروع التجريبي سوف يصبح للدار موقع على الإنترنت يتضمن قاعدة بيانات ضخمة من مقتنيات الدار وإصداراتها العلمية وأنشطتها الثقافية والفنية للدار، وتقديم خدمة للباحثين والمتخصصين من خلال قاعدة البيانات التي تسهل للباحث طلب ما يريد أن يطلع عليه من وثائق من أي مكان بالعالم مثل الأرشيفات العالمية.
* هل التحول الرقمي بديل عن اقتناء الأصول الوثائقية؟
ـ غير ممكن حتى الآن على الأقل ربما في المستقبل تظهر صيغة إلكترونية يمكن أن تخزن المعلومات من دون أن تتعرض لأية مشكلة، لكن إلى الآن لدينا في دار الوثائق وثائق عمرها أكثر من 700 عام، ودعني أسألك هل توجد صيغة علمية يمكن أن تحتفظ بالمادة العلمية 700 عام، في حين يمكن أن يأتي فيروس ليدمر الوسيط الإلكتروني الذي يحوي الوثيقة الورقية مستمرة بحالتها طالما خفضت بيئة مناسبة، ويكفي أن لدينا أقدم وثيقة في العالم وهي حجة ترجع إلى العصر الأيوبي من القرن الرابع عشر الميلادي، ولدينا مقتنيات وثائقية قديمة جدا أخرى لا يوجد لها مثيل سوى في الأرشيف التركي، والعثماني، والحال أيضا في الكتاب الورقي فلن يختفي على الأقل في الوقت الحالي حتى ظهور صيغة إلكترونية تعوض القارئ عنه.
* وما هي العقبات التي تحول دون سيطرة الدار على وثائق الدولة؟
ـ اعترف بأن لدينا أزمة حقيقية ابتداء من عام 1954 حينما أنشأت دار الوثائق القومية ووضعت لها قانون ينظم وسائل الحفظ وقواعد الإتاحة والسيطرة على الجهات المنشأة للوثائق، إلا أن العديد من العقبات قد حالت من دون تمكين دار الوثائق من أداء دورها، لعل أهم هذه العقبات أن القانون معيب شكلا وموضوعا من جوانب عديدة، منها انه للجهات الحكومية حق الاحتفاظ بوثائقها إذا رأت ذلك، فكانت النتيجة ما نراه الآن من فوضى وثائقية لدرجة انك يمكن أن تجد وثائق مصرية تاريخية تباع في أسواق الروبابكيا (المواد المستعملة)، المشكلة الثانية والاهم هي حاجتنا إلى قرار سيادي لفك ازدواجية العلاقة بين دار الوثائق القومية ودار المحفوظات العمومية، التي لا تقل أهمية عن دار الوثائق في تقديم خدمات للباحثين والجمهور، وتقترب من مهمة دار الوثائق القومية، لكنها تتبع وزارة المالية، في حين أن دار الوثائق تتبع وزارة الثقافة ولابد من حل هذه الازدواجية.
* وما هي أحلامك لدار الوثائق بعد هذا المشروع الضخم؟
ـ كان محمد علي أول من فكر في عمل أرشيف قومي (دفترخانة مصرية) عام 1828 قبل أن تفكر فيه الولايات المتحدة، وكنا ثالث دولة بعد بريطانيا وفرنسا تضع لوائح وتشريعات صانت لها تراثها المعرفي والوثائقي، ليس من عصر محمد علي فقط وإنما بداية من العصر العثماني، وإذا كانت مصر تفخر بأن لديها أرشيفا كبيرا، فأن الفضل يعود لمحمد علي، وأبنائه من بعده. وأحلم بأن تستكمل الدولة حاليا ما قام به محمد علي وتخصص مكانا جديدا يقام عليه أرشيف وطني يتناسب مع دور مصر الاستراتيجي والوطني، واحلم أيضا بأن ننتهي من مركز الترميم بالدار الذي سوف يصبح اكبر مركز ترميم في المنطقة، واحلم أيضا بأن يتوج كل ذلك بإتمام تحويل دار الوثائق القومية إلى دار رقمية من الدرجة الأولى تضعنا في مصاف الدول الكبرى في هذا المجال.
* لماذا فشلت الدار في أن تصبح خزينة وأرشيف مؤسسات المدينة والشخصيات العامة مثل الخارج؟
ـ الدار في حاجة إلى دعم سياسي وإداري ومالي حتى يمكن أن تواصل مهمتها، ولتصبح موضع ثقة المجتمع المدني حتى يمكن الناس والأحزاب والمؤسسات الاقتصادية الخاصة من وضع وثائقها في الدار، ففي كل أرشيفات العالم يأتي كبار المفكرين والسياسيين وقادة الرأي وأصحاب التجارب الكبيرة ليقدموا أوراقهم الخاصة في الأرشيف الوطني باعتبارها تجربة مهمة يرجع إليها الباحثون والمتخصصون، ولا يمكن أن يتم ذلك إلا إذا صارت دار الوثائق موضع عناية من الدولة بشكل اكبر ما هو حاليا.
* وما هو مصير وثائق ثورة 23 يوليو، وحرب 1948، وحرب 1967، وحرب الاستنزاف ووثائق السيد العالي و.......و.... ؟
ـ في غيبة القانون عليك أن تتجه إلى وجهات كثيرة حتى تسأل عن تلك الوثائق، وليس من بينها للأسف دار الوثائق القومية، وعلى الباحث المصري الذي يريد أن يكتب عن موضوع ما من هذه الموضوعات وسابقة طرحها في السؤال، أن يرجع للأرشيف البريطاني والفرنسي وحتى الإسرائيلي لكي يكتب تاريخ بلده، وفي ظل هذه الفوضى الوثائقية لا عجب أن اقرأ في احدى الصحف أن ممثلة شهيرة تكتب كتابا تدعي انه سوف يعيد تصحيح الكثير من مفاهيم ثورة يوليو (تموز)، أضف إلى ذلك موجة المذكرات الشخصية لمن يدعون أنهم شغلوا مواقع أو كانوا قريبين من السلطة، وهو ما أثر كثيرا بالتاريخ وحوله إلى مصدر للانتفاع.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق